كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال السدي: لا يأتون بمثله لأنه غير مخلوق ولو كان مخلوقًا لأتوا بمثله.
{وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} عونًا.
نزلت هذه الآية حين قال الكفار: لو شئنا لقلنا مثل هذا فأكذبهم الله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ} إلى قوله: {إِلاَّ كُفُورًا} جحودًا.
{وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعًا}.
عكرمة عن ابن عبّاس أن عتبة وشيبة إبني ربيعة وأبا سفيان بن حرب والنضر بن الحرث وأبا البحتري بن هشام، والاسود بن المطلب وزمعة ابن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف والعاص بن وائل ونبيهًا ومنبهًا إبني الحجاج إجتمعوا أو من إجتمع منهم بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة.
فقال بعضهم لبعض: إبعثوا إلى محمّد وكلموه وخاصموه حتّى تعذروا فيه، فبُعث إليه أن أشراف قومك قد إجتمعوا لك ليكلموك فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعًا وهو [يظن بأنه] بدا لهم في أمره بداءً، وكان عليهم حريصًا يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم.
فقالوا: يا محمّد إنا قد بعثنا إليك لنعذر فيك وإنا والله لا نعلم رجلًا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء وعنّت الدين وسفهت الأحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة فما بقي أمر قبيح إلاّ وقد جئته فيما بيننا [وبينك]، وإن كنت إنما جئت بهذا الحدث تطلب به مالًا حظنا لك من أموالنا حتّى تكون أكثرنا مالًا وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سوّدناك علينا، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك به رأي قد غلب عليك فكانوا يسمون من الجن من يأتي الأنسان بالخير والشر فربما كان ذلك بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتّى نبرئك منه أو نعذر فيك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مابي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم أطلب به أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولًا وأنزل عليَّ كتابًا وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم فأن تقبلوا مني ما جئتكم فهو حظكم في الدنيا والآخرة وأن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله حتّى يحكم الله بيني وبينكم».
فقالوا: يا محمّد وإن كنت غير قابل منا ماعرضنا عليك فقد علمت إنه ليس من الناس أحد أضيق بلادًا ولا أقل مالًا ولا أشد عيشًا منا، فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فليُسيّر عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا وليبسط لنا بلادنا وليجر فيها أنهارًا كأنهار الشام والعراق وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن ممن يبعث لنا فيهم قصي بن كلاب فإنه كان شيخًا صدوقًا فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل فإن صنعت ما سألناك وصدقوك صدقناك وعرفنا به منزلتك عند الله وأنه بعثك رسولًا كما تقول.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بهذا بعثت إنما جئتكم من عند الله بما بعثني به فقد بلغتكم ما أرسلت به فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله حتّى يحكم الله بيني وبينكم».
قالوا: فإن لم تفعل هذا فخذ لنفسك فسل ربك أن يبعث ملكًا يصدقك وسله فيجعل لك تيجان وكنوزًا وقصورًا من ذهب وفضة ويغنيك بها عما نراك فإذن نراك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنا بفاعل ما أنا بالذي يسأل ربه هذا وما بُعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيرًا ونذيرًا».
قالوا: فأسقط السماء علينا كسفًا كما زعمت أن ربك إن شاء فعل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلك إلى الله إن شاء فعل بكم ذلك».
قالوا: قد بلغنا إنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن، وإنّا والله لا نؤمن بالرحمن أبدًا فقد أعذرنا إليك يا محمّد أما والله لا نتركك وما بلغت منا حتّى نهلكك أو تهلكنا.
وقال قائل منهم {أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلًا}.
فلما قالوا ذلك قام النبي صلى الله عليه وسلم وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ابن عبد الله بن عمرو بن محروم وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب فقال له: يا محمّد عرض عليك ماعرضوا فلم تقبل منهم ثمّ سألوك لأنفسهم أمرًا فليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل ذلك، ثمّ سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب فلم تفعل، فوالله لا أومن بك أبدًا حتّى تتخذ إلى السماء سلمًا ثمّ ترقى فيه وأنا أنظر حتّى تأتيها وتأتي بنسخة مصورة معك ونفر من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول، وأيم الله لو فعلت ذلك لظننت ألاّ أصدقك، ثمّ انصرف وإنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبو جهل، حين قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر قريش إن محمّد قد أتى إلا ماترون مَنْ عيّب ديننا وشتم آلهتنا وسفّه أحلامنا وسبّ آباءنا فإني أعاهد الله لأجلسنّ له عند الحجر قدر ما أطيق حمله وإذا سجد في صلاته رضخت به رأسه.
وإنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزينًا لما فاته من متابعة قومه ولما رأى من مباعدتهم فأنزل الله تعالى: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ}.
قال أهل الكوفة: {تفجر} خفيفة بفتح التاء وضم الجيم، وإختاره أبو حاتم لأن الينبوع واحد.
[قرأ] الباقون بالتشديد على التفعيل، وإختاره أبو عبيد ولم يختلفوا في الثانية أنها مشددة لأجل الأنهار لأنها جمع، والتشديد يدل على التكثير من الأرض يعني أرض مكة ينبوعًا يعني عيونًا هو مفعول من نبع الماء.
{أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنهار خِلالَهَا} وسطها {تَفْجِيرًا} [رقيقًا] {أَوْ تُسْقِطَ السمآء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} قرأ أكثر قراء العراق: بسكون السين أي قطعة أجمع كسفه وهو جمع الكثير، مثل تمرة وتمر وسدرة وسدر.
تقول العرب: أعطني كسفة من هذا الثوب أي قطعة، ويقال: منه جاءنا ببريد كسف أي قطع خبز، وقيل: أراد جاثيًا.
وفتح الباقون السين، وهو القطع أيضًا جمع القليل للكسفة.
{أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلًا}.
قال ابن عبّاس: كفيلًا. الضحاك: ضامنًا. مقاتل: شهيدًا.
مجاهد: جمع القبيلة أيّ بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة.
قتادة: عيانًا. الفراء: هو من قول العرب: لقيت فلانًا قبلًا وقبلا أي معاينة.
{أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ} من ذهب وأصله الزينة.
مجاهد: كنت لا أدري ما الزخرف حتّى رأيته في قراءة ابن مسعود: بيت من ذهب.
{أَوْ ترقى} تصعد {فِي السمآء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ} أيّ من أجل رقيك صعودك {حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ} أمرنا فيه بإتباعك {قُلْ} يا محمّد {سُبْحَانَ رَبِّي}.
وقرأ أهل مكة والشام: {قال سبحان ربي} يعني محمد صلى الله عليه وسلم {هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولًا} وليس ما سألتم في طوق البشر ولا قدرة الرسل {وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا إِذْ جَآءَهُمُ الهدى إِلاَّ أَن قالوا} جهلًا منهم {أَبَعَثَ الله بَشَرًا رَّسُولًا} وإن الأُولى في محل النصب والثانية في محل الرفع وفي الآية إختصار فتأويلها هلاَّ بعث الله ملكًا رسولًا فأجابهم الله تعالى: {قُل لَوْ كَانَ فِي الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ} مستوطنين مقيمين {لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السمآء مَلَكًا رَّسُولًا} لأن الملائكة إنما تبعث إلى الملائكة ويراهم الملائكة {قُلْ كفى بالله شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} إنه رسوله إليكم {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} إلى قوله: {أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ} دونهم {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ}.
شيبان عن قتادة عن أنس: إن رجلًا قال: يارسول الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟
فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «إن الذي أمشاه على رجاله قادر أن يمشيه على وجهه في النار».
وروى حماد بن سلمة عن علي بن يزيد عن أوس بن خالد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: صنفًا مشاة وصنفًا ركبان وصنفًا يمشون على وجوههم قيل: يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم؟ قال: إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك».
{عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} إن قيل: وكيف وصف الله عزّ وجلّ هؤلاء يأتيهم يوم القيامة عمي وصم وبكم، وقال تعالى: {وَرَءَا المجرمون النار} [الكهف: 53] فقال: {سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان: 12] وقال {دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان: 13] والجواب عنه ماقال ابن عبّاس: عميًّا لايرون شيئًا يسرهم، بكمًا لاينطقون بحجة، صمًا لايسمعون شيئًا يسرهم.
وقال الحسن: هذا حين [جاءتهم] الملائكة وحين يساقون إلى الموقف عُمي العيون وزرقها سود الوجوه إلى أن يدخلوا النار.
مقاتل: هذا حين يقال لهم: إخسؤا فيها ولا تكلمون، فيصيرون بأجمعهم عميًا بكمًا صمًا لايرون ولا يسمعون ولا ينطقون بعد ذلك.
وقيل: عميًا لايبصرون الهدى، وبكمًا لاينطقون بخير، وصمًا لايسمعون الحق.
{مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ} قال ابن عبّاس: [سكنت] مجاهد: [طفيت] قتادة: لانت وضعفت.
{زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} وقودًا {ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} فأجابهم الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض} في عظمها وشدتها وكثرة أجزائها وقوتها {قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} في صغرهم وضعفهم نظيره قوله: {لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} [غافر: 57] وقوله: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السمآء} [النازعات: 27].
{وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا} أي وقتًا لعذابهم وهلاكهم {لاَّ رَيْبَ فِيهِ} إنه إليهم، وقيل: إن هذا جواب لقولهم أو يسقط السماء كما زعمت علينا كسفًا، وقيل: هو يوم القيامة، وقيل: هو الموت الذي يعاينونه {فأبى الظالمون} الكافرون {إِلاَّ كُفُورًا} جحودًا {قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} أيّ أملاك ربي وأمواله وأراد بالرحمة هاهنا الرزق {إِذًا لأمْسَكْتُمْ} لبخلتم وحبستم {خَشْيَةَ الإنفاق} أي الفاقة، {وَكَانَ الإنسان قَتُورًا} أي بخيلًا ممسكًا ضيقًا.
{وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} قال ابن عبّاس والضحاك: هي العصا واليد البيضاء والعقدة التي كانت بلسانه فحلها وفلق البحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.
وقال: عكرمة: مطر، الوراق وقتادة ومجاهد والشعبي وعطاء: هي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا واليد والسنون ونقص من الثمرات.
وعن محمّد بن كعب القرظي قال: سألني عمر بن عبد العزيز عن الآيات التسع، فقلت: الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات وعصا موسى ويده والطمس والبحر. فقال عمر: وأنا أعرف إن الطمس إحداهن. قال محمّد بن كعب: إن رجل منهم كان مع أهله في فراشه وقد صار حجرين، وإن المرأة منهم لقائمة تختبز وقد صارت حجرًا، وإن المرأة منهم لفي الحمام وإنها تصير حجرًا.
فقال عمر: كيف يكون الفقه إلاّ هكذا ثمّ دعا بخريطة فيها أشياء مما كانت اُصيبت لعبد العزيز بن مروان بمصر حين كان عليها من بقايا آل فرعون فأخرج منها البيضة مشقوقة [قطعًا] وإنها لحجر وأخرج الجوزة مشقوقة وإنها لحجر وإخرج أشباه ذلك من الفواكة وإنها لحجارة، وأخرج دراهم ودنانير وفلوسًا وإنها لحجارة. فعلى هذا القول يكون الآيات بمعنى الدلالات والمعجزات.
وقال بعضهم: هي بمعنى آيات الكتاب.
روى شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن صفوان بن غسان المرادي: إن يهوديًا قال لصاحبه: تعالَ حتّى نسأل هذا النبي، فقال الآخر: لا تقل نبي لأنه لو سمع صارت له أربعة أعين فأتياه فسألاه عن هذه الآية {وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}.
فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تشركوا بالله شيئًا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلاّ بالحق ولا تزنوا ولا تأكلوا الربا ولا تسحروا ولا تمشوا بالبرىء إلى سلطان ليقتله ولا تسرقوا ولا تقذفوا المحصنة ولا تولوا يوم الزحف، وعليكم خاصة في اليهود أن لا يتعدوا في السبت».
فقبّلوا يده ورجله وقالوا: نشهد أنّك نبي، قال: «فما يمنعكم أن تتبعوني؟» قالوا: إن داود دعا أن لا يزال في ذريته نبي، وإنَّا نخاف إن اتبعناك تقتلنا اليهود.
{فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ} موسى عليه السلام، وهو قراءة العامة، وروى حنظلة السِّدوسي عن شهر بن حوشب عن ابن عباس أنّه قرأ {فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ} على الخبر وقال: سأل موسى فرعون أن يخلِّي سبيل بني إسرائيل ويرسلهم معه.
فقال له فرعون: {إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُورًا} أي قد سحروك، قاله الكلبي، وقال ابن عباس: مخدوعًا، وقال محمد بن جرير: يعطي علم السحر فهذه العجائب التي يفعلها من سحرك، وقال الفرّاء وأبو عبيد: ساحرًا فوضع المفعول موضع الفاعل، كما يقال: هو مشؤوم وميمون أي شائم ويامن، وقيل: معناه: وإنّي لأعلمك يا موسى بشرًا ذا سحر، أي له رئة.
قال موسى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ} قراءة العامة بفتح التاء خطابًا لفرعون، وقرأ الكسائي بضم التاء وهي قراءة علي.
روى شعبة عن أبي إسحاق عن رجل من مراد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأها: لقد علمتُ برفع التاء وقال: والله ما علم عدوًا لله ولكن موسى هو الذي علم، قال: فبلّغت ابن عباس فقال: إنها لقد علمتُ تصديقًا لقوله: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ} [النمل: 14].
قال أبو عبيد: والمأخوذ عندنا نصب التاء، وهو أصح من المعنى الذي احتجِّ به ابن عباس، ولأن موسى عليه السلام لا يحتج بأن يقول علمت أنا وهو الرسول الداعي، ولو كان مع هذا كلِّه تصح تلك القراءة [عن علي] لكانت حجة، ولكنها ليست تثبت عنه إنما هي عن رجل مجهول، ولا نعلم أحدًا من القرّاء تمسك بها غير الكسائي، والرجل المرادي الذي روى عنه أبو إسحاق هو كلثوم المرادي.